فن يؤرخ للمقاومة.. و”الإسلامية” هي السبّاقة
كانت البداية مع “الغالبون”، الذي أثار الكثير من التعليقات من قبل اليسار اللبناني ومن قبل أنصار “حركة أمل”. وكرت السُبحة في ما يخصّ المسلسلات الرمضانية، والتي يعرضها تلفزيون “المنار” حصراً، وهي تتناول العمل المقاوم في لبنان بكل جوانبه، إن لجهة بيئته الحاضنة، حيث تم تصويرها على أنها جميعها هي بيئة حزب الله أو مجتمعه، مع التطرّق للعملاء الشاذين والمكروهين في هذه البيئة الجنوبية بشكلٍ خاص.
الجديد من فلسطين
والمفاجأة كانت هذا العام في مسلسلين فلسطينيين مهمين، هما “شارة نصر جلبوع” و”قبضة الأحرار” الذين يتناولان المقاومة الفلسطينية وكفاحها، وبالأخص أشهر عملية هروب للأسرى الفلسطينيين، التي حصلت منذ شهور قليلة في سجن صهيوني محصن، ألا وهو “جلبوع”، و”قبضة الأحرار” لا تختلف عن مسلسل “الغالبون” كونه يتناول بيئة المقاومة الاسلامية في قطاع غزة والموساد في عمل فني بعيد عن الخطابة.
والبداية من لبنان
بادرت محطة “المنار” التابعة لحزب الله، منذ سنوات إلى تأريخ عمل المقاومة الإسلامية اللبنانية بعدد من المسلسلات، وهو إن كان فنيّاً نال من التعليقات الكثير، إلا أنّ “المنار” أسست لهذا الخط الفني الذي غيبه الانتاج اللبناني بشكل مقصود، طبعاً نظراً للخلاف السياسي الداخلي حيال الحزب، هذا الانتاج الذي نحا صوب القصص والانتاجات البعيدة نوعاً ما عن صورة المجتمع اللبناني الواقعية.
وقد تناولت هذه المسلسلات الملتزمة: الأسرى، والمقاومة، والعملاء، والتحرير، والجهاد، والأسرة “الحزباللاهية” بكافة وجوهها حيث لم تتوان عن ذكر اسماء قياديين شهداء في المقاومة لدرجة بان العمل توثيقيّاً أكثر منه فنيّاً.
ففي استعراض أسماء بعض المسلسلات نجد أن “مركز بيروت الدولي للإنتاج الفني” قدّم منذ العام 2011 العديد من هذه السلسلة التي تصب في إطار رؤية واحدة، كما تعامل مع العديد من الفنانين اللبنانيين البارزين والعرب، منهم السوريين والفلسطينيين.
مركز بيروت الدولي للإنتاج الفني
أول انتاجات المركز وأشهرها مسلسل “الغالبون” بجزئيه انتاج 2011- 2012 الذي انطلق بهذا النوع من الإنتاج، وهو عمل درامي لبناني مستوحى من البيئة الشعبيّة والجهاديّة للمقاومة. يروي وقائع حياة أهل الجنوب الصامد مع بدايات الاجتياح الاسرائيلي عام 1982 حتى عام 1985، كما يُضيء على بعض العمليات النوعية التي نفذتها المقاومة خلال تلك الفترة.
أما الثاني فهو “قيامة البنادق” إنتاج عام 2013 وهو دراما يحكي الحقبة التاريخية لفترة الحكم العثماني للمنطقة، ومقاومة ظلمه من قبل اللبنانيين في الجنوب والبقاع مروراً بانكسار الدولة العثمانية ومجيء الانتداب الفرنسي بعد الحرب العالمية الأولى ومقاومة هذا الانتداب.
والثالث بعنوان “ملح التراب”، انتاج 2014 يحكي قصة مجتمع مقاوم من وحي حقيقة التصدي التي قام بها أهل الجنوب ضد الاحتلال الإسرائيلي وعملائه. يُظهر المسلسل كيف أن الأغنياء يشكلون جزءا مهما من بنية المجتمع المقاوم عملا ودعماً وصمودا.
ومن ثم “درب الياسمين”، انتاج 2015، يرصد العمل الحياة اﻻجتماعية، والمقاومة في القرى المحتلة في الجنوب من عام 1996 حتى عام 1999 وكيف كافح أهلها وناضلوا ضد اﻻحتلال.
أما “في عين الجوزة” المسلسل الدرامي السوري- اللبناني إنتاج عام 2015، فتجري احداث المسلسل بين عامي 1920 و1945 في قرية عين الجوزة الواقعة على الحدود اللبنانية – الفلسطينية خلال حقبة الاستعمار الفرنسي حيث يرصد الصراع الدائر داخل أراضي القرية بين وجهائها المتحالفين مع الاحتلال وأهلها.
وبعده “بلاد العز”، انتاج 2017 الذي يحكي قصة عشائر بقاعية أبيّة حافظت على وحدة الأمة، صنعت استقلال لبنان، ودافعت عن فلسطين، فدخلت بملامحها سجل التاريخ، وهو يطل على حقبة تاريخية منتصف العشرينات عن صراع بين قوى محلية مقاومة وغريب محتل. ويتناول الفترة التاريخية الممتدة بين عامي 1925 و1927 في البقاع حين تصدى الثوار للاستعمار الفرنسي، كما يتناول دور الهجرات اليهودية حينها.
أما “بوح السنابل” الذي انتج عام 2018 فهو يحاكي الحياة الأمنيّة للمقاومة الإسلامية في لبنان، بقالبٍ مشوق وأحداث درامية. تدور أحداث المسلسل حول حياة أحد عناصر المقاومة وزوجته، بالتوازي مع بلورة الصراع بين استخبارت العدو والمقاومة والمكائد التى يضعها العدو للتخلص من عناصر المقاومة بالتعاون مع بعض الخونة.
أما “مرايا الزمن”، انتاج 2019 وهو عمل أكثر تماساً مع قضايا المجتمع ومشكلاته.
و”ظل المطر” إنتاج عام 2021 مع نخبة من ألمع الممثلين اللبنانيين. يتناول ملف الموساد وحراك 17 تشرين 2019 والكورونا وبقايا “داعش” وموقف حزب الله من مؤسسات المجتمع المدني.
السؤال
يبقى السؤال الموّجه إلى مؤسسات الانتاج المحلي: لماذا تخاذلت هذه المؤسسات عن انتاج عمل وطني يُحاكي تاريخ المقاومة ضد إسرائيل؟ ولماذا تأخر “مركز بيروت الدولي” عن انتاجاته الفنية حتى العام 2011، أي بعد مرور 11 عاماً على تحرير الجنوب؟
الفن الفلسطيني المقاوم
أما الفن الفلسطيني الملتزم والمقاوم، فيتمثل بـ”شارة نصر جلبوع” و”قبضة الأحرار”، الذين تعرضهما “المنار” أيضاً. فاللافت هو أن الانتاج فلسطيني – جزائري مع ممثلين فلسطينيين برزوا بأدوار وأعمال مهنية بارعة. وربما لكونها وجوهاً فلسطينية جديدة بالنسبة للمشاهد اللبناني.
علماً أن محطة “الإيمان” اللبنانية تعرض مسلسل “شارة نصر جلبوع” أيضاً، الذي هو من انتاج قناة “القدس اليوم” الفضائية، وشركة “ميدل تاون” للخدمات الإعلامية.
ومسلسل “شارة نصر جلبوع” يحاكي يوم السادس من أيلول 2021، حين تمكّن كل من الأسرى محمود ومحمد العارضة، وزكريا الزبيدي، ويعقوب القادري ومناضل نفيعات، وأيهم كممجي، من الفرار عبر نفق حفروه أسفل سجن جلبوع شمالي فلسطين المحتلة، وقد عرفت العملية باسم “نفق الحرية”. لكن العدو الصهيوني أعاد اعتقال الأسرى الستة بعد بحث طويل وخيانة رسمية.
همّ فنيّ واحد
تلتقي المسلسلات اللبنانية الملتزمة عند خبر واحد هو أنها جميعها من انتاج “مركز بيروت الدولي للإنتاج الفني” الذي يُعنى بانتاج المسلسلات والأفلام التي تُبرّز الوجه المدني لبيئة المقاومة، وبالأخص الإسلامية، التابعة لحزب الله.
وما يُعاب على هذه الانتاجات أنها لم تتناول مطلقا تاريخ المقاومة الذي انطلق مع فصائل المقاومة الفلسطينية، ومن ثم مع اليسار اللبناني بكافة اطيافهما. علما أن الشهيد عماد مغنية انطلق بعمله المقاوم مع “حركة فتح” واكمل مع “حزب الله”. فهل سيُنتج “مركز بيروت الدولي” عملاً فنيا حول عماد مغنية يؤرشف فيه بداياته وانطلاقته وسيرته الأولى مما سيضطره للتعرّض لتاريخ المقاومة الفلسطينية والوطنية؟.